بسم الله الرحمن الرحيم

عودة للقديسة الثانية صباح

فيض الرحمة - الحلقة الخامسة و الاخيرة 

التاريخ: 23 آب/اغسطس 2021م

بقلم: جاسم تقي

        فكرت كثيرا لماذا طرأ على ذهني فجأة لقب "القديسة". فجأة عرفت الجواب. ايام الصبا كنت مولعا باللغة الانجليزية فدرست في المعهد البريطاني في البصرة اللغة الانجليزية بأسوب مبسط اعتمد على مسرحيات شكسبير المعرفة و روايات شارل ديكنز بلغة مبسطة محدودة الكلماتretold fiction . صادف انني التقيت احد المبشرين المسيحيين في البصرة فتحدثت اليه بلغة انجليزية تفوق نسبيا لغة مدرس اللغة الانجليزية في الاعدادية المركزية في العشار. اهداني المبشر كتاب الانجيل المكتوب بلغة مبسطة لغير الناطقين باللغة الانجليزية. عند قراءتي للإنجيل تعرفت على القديسة مريم التي ذكرت في القرآن الكريم ايضا.

        كانت في نفسي رغبة ملحة في تعلم اللغة الفرنسية لكنني لم اتمكن حتى من البدء بتعلمها بسبب انشغالي باللغتين العربية و الانجليزية و لأن نظام التعليم في العراق لم يعتمد لغة ثالثة (تغير الوضع الآن). لكنني بدأت قبل حوالي شهر بتعلم اللغة الفرنسية اون لاين و دون مدرس فدهشت لعظمة اللغة الفرنسية والكلمات و المصطلحات الانجليزية الجمة فيها حيث تكتب بصورة و تلفظ بصورة اخرى. ادهشني موسيقية اللغة الفرنسية لاسيما و انا اعشق الموسيقى.

        نعود للقديسة صباح و لها قصة اخرى. عندما كنت في الصف الاول ابتدائي نجحت الاول على المدرسة و حصلت في كل المواد 10/10 بفضل طيبة قلب و لطف المعلم عبد المنعم( لن انس اسمه مطلقا بسبب حنانه و لطفه و الكاريزما الخاصة التي كان يتحلى بها). لحسن حظي كان عبد المنعم يدرسني كافة المواد فحرصت ان اكرمه بالمذاكرة.

   اما بنت زوجة ابي (سعاد) فقد رسبت لأنها كانت غبية. عندما علمت زوجة ابي بذلك اخرجتني من المدرسة و طلبت مني ان اعمال حمّال في سوق البصرة الكبير و هددتني بالسرداب اذا كشفت ذلك الامر لأبي او اختي سهام او اي فرد من افراد الاسرة.

        كنت عبيطا فظننت ان ذلك القرار جاء في صالحي. لكنني بعد فترة شعرت بالفراغ و تجرأت و كشفت الامر للقديسة صباح. غضبت صباح مني لكنها تحدثت مع امها زهراء التي ارجعتني للمدرسة كي لا تكرهها بنتها.

      ادركت ان التعليم شيء مفيد لذلك حاولت زوجة ابي حرماني منه فقررت ان اتفوق في التعليم لدرجة انني كنت الاول في كافة المراحل الدراسية وحتى حصولي على الدكتوراه (رب ضارة نافعة). خدمتني زهراء دون ان تدري او ربما الارادة السماوية شاءت ذلك و أوعزت الى  القديسة صباح لتحث امها على ارجاعي للمدرسة.

        افكر الآن جديا: لماذا اخبرت القديسة صباح بإخراجي من المدرسة و لم اخبر القديسة سهام؟ لا اعرف الجواب. لكني اعتقد ان تقاربي بالعمر مع القديسة صباح و ارتياحي اليها و ثقتي بها كانت هي العوامل المرجحة. نحن لا نعرف كنه الاشياء لوجود قوة سماوية عارفة تسيّر الامور اذا آمنا بها.

        قررت ان تكون هذه الحلقة هي الاخيرة لأن العبرة ليس بالكلام و انما بالمضمون و لأن "خير الكلام ما قل و دل". خرجت من الازمات بعون من شخصية المفروض ان لا اميل اليها وهي شخصية القديسة صباح التي غيرت ايجابيا كل تفكيري فجعلتني متفائلا دائما رغم الصعوبات الجمة التي واجهتها طيلة حياتي بما في ذلك 50 سنة من المنفى في باكستان اكملت فيها تعليمي حاصلا على ماجستير و دكتوراه بدرجة امتياز.

   نسيت كل شيء. تحول الغضب الى اعتاق فصفحت عن زوجة ابي زهراء اكراما لبنتها القديسة صباح و ادعو لله ان يغفر ذنوبها ايضا فالميت لا يستحق الا الرحمة. فإن اراد المرء ان يغفر الله ذنوبه لا بد عليه ان يدعو الله ان يغفر ذنوب اعدائه.

انتهت المذكرات.