Saturday, August 21, 2021


سهام

فيض الرحمة- الحلقة الخامسة

بقلم: جاسم تقي

        بعيدا عن صباح وهي تضع اللمسات الاخيرة حول مخططها لتغيير حياتها و حياتي ارجع الى اختي الكبيرة سهام.

        عندما طلق والدي امي(زوجته الثالثة)قضت المحكمة ان تقسم اولاد ابي(محمد تقي) لقسمين: اختي الكبيرة سهام وانا تحت وصاية الوالد او قل تحت هيمنة زوجته زهراء و اولادها الثمانية. اما القسم الثاني (عائدة و حذام) فوضعتهما المحكمة تحت وصاية امنا فاطمة الشيخ هادي على ان يدفع ابي نفقة شهرية لإعالة البنتين فشاء الله سبحانه و تعالى ان ينقذ الطفلتين من عذاب و قسوة زوج الاب زهراء.

        كانت سهام تكبرني بأربع سنوات. فكانت ناضجة نسبيا و كانت  شديدة التدين لدرجة اني اصنفها بمرتبة القديسات. لكن سهام اتسمت ايضا بالحنان و العطف. كانت بمثابة امي لأن والدي بتحريض من زوجته الرابعة منعني و منع سهام من رؤية امنا الحقيقية. استمر الحظر 9 سنوات و لغاية وفاة الوالد بالسكتة القلبية.

        خلال 9 سنوات مليئة بالعذاب كانت سهام تخفف الآلام لكنها ضربتني ضربا مبرحا مرتين بسبب حركاتي الطفولية. لكنها كانت تبكي بعد ان تضربني و ما تلبث ان تعانقني و تقبلني و تطلب مني المعذرة. تساءلت كثيرا في نفسي عن كنه القديسة سهام و سرعة معذرتها مني كلما ارتكبت خطأ ما. معظم اخطائي كانت تدور حول هروبي من البيت كلما زادت قسوة زهراء و اولادها الثمانية (عصابة الثمانية). كنت اهرب من البيت عدة ساعات و لكني كنت اهرب  احيانا لساعات طويلة من الصباح و حتى غروب الشمس. خلال فترة الهروب كنت اجوب شوارع البصرة و ادقق النظر في المارة في مدينة مزدهرة و حضارية. كنت اتسكع بلا هدف او غاية ولا ادري لماذا لكنني فعلت ذلك هربا من القاسية و عصابة الثمانية.

        لم اجد في حياتي حنانا اكبر من حنان سهام القديسة المتدينة المتهدجة الطاهرة التقية. طوال الوقت كانت تبتهل لله ان يحفظني من عصابة الثمانية.

        ثم حدثت المعجزة. كان والدي قريبا من سهام كثيرا و يخبرها اسرار خطأه عندما تزوج الرابعة. كانت المشكلة كبيرة و خطيرة لا استطيع ذكرها اكراما لميتين اصبحا في ذمة الله :والدي و زوجته الرابعة و في نفسي قول "عفا الله عما سلف."

        انفرجت الازمة لأن والدي كان يمنح سهام سرا مصرف جيب و كنت احصل على نصيب منه كلما طلبت من سهام. بدأت سهام تعطيني حصة من طعام ابي و هي خائفة من زوجته الرابعة التي كانت تطبخ الطعام.

    نجت سهام من عذاب زهراء بمعجزة. لعل زهد سهام و صلاتها و تهدجها اصبح سدا منيعا يحول دون رؤيتهم لسهام او معرفتهم لما تفعل. فجعل الله من بين ايديهم و من خلفهم سدا فأغشاهم فهو لا يبصرون.

   لعل احسن ما فعلته سهام انها اقنعت الوالد ان يرسلني بمعية صباح لمدرسة تحفيظ القرآن و هي الخطوة التي جعلتني ادخل في اغوار نفس قديسة اخرى اسمها صباح. فاقت القديسة الثانية ( صباح) ببساطتها و خفتها و براعتها القديسة الاولى (سهام) فتركتُ الطريق الصعب لطريق سهل تتجلى فيه براءة الطفولة. من هذا المنطلق تغلبت صباح على سهام. امر الحب عجيب حقا. نتعلق بالناس و نحبهم ولا نعرف السبب.

    تذكرت انني عندما كنت في السنة الجامعية الثانية تعلق قلبي بفتاة من كلية الصيدلة في جامعة بغداد  اسمها فائزة فأرسلت لها رسالة حب مطولة من10  صفحات فردت علي بسطرين لازلت اتذكرهما حتى الآن " كلنا يحلم و كلنا يتمنى. و اكثرنا تتعلق احلامه بالسحب. لكن اكثرنا جرأة من وضع قدمه في موضع آخر بعد السقوط."

        ستظل القديسة سهام و القدسية صباح احلى ما عرفته ايام الطفولة البريئة و سبب لي قوة الذاكرة فقد هزمت بفضل تلك الذاكرة الكهولة التي فشلت في مساعيها دخول نفسي على الرغم من انني بلغت الخامسة و السبعين من عمري ولا زلت شابا يافعا حيويا يكتب و يترجم و يبحث و يحرص على الاداء الصادق المحايد. 

No comments:

Post a Comment

U.S. Ambassador Blome’s Meeting with Deputy Prime Minister and Foreign Minister Ishaq Dar

U.S. Ambassador Blome’s Meeting with Deputy Prime Minister and Foreign Minister Ishaq Dar The below is attributable to U.S. Mission Spokes...