فيض الرحمة-2

بقلم جاسم تقي

        في ذلك الجو القاتم و الافكار المبعثرة القاتلة دخلت صباح كونا  نيرا لا ينطفئ ابدا. صباح هي اختي غير الشقيقة. فهي اختي ليست من امي ولا من ابي و انما اخت اختي هاشمية التي انجبتها امها الارملة من أبي. فهي اخت اختي هاشمية من امها و لكنها ليست اختي من ابي او من امي و انما اخت اختي (هاشمية) من امها بينما هاشمية هي اختي غير الشقيقة من ابي و ام صباح. معادلة معقدة و صعبة الفهم أليس كذلك؟ انها معادلة تمثل مدى تعقيد حياتي آنذاك.

        كنت ثائرا ورافضا لتحول اهتمام ابي بزوجته الرابعة (زهراء) و بناتها. كنت اسطو على طعام زوجة ابي بعد ان حرمتني حتى من الطعام. فكانت تحبسني بالسرداب المظلم حتى يخيل لي الامر و كأنما نقلت للقبر. كنت اخاف من الجرذان في السرداب لاسيما و انها كانت جائعة مثلي و كريهة المنظر.

        شاء قدر السماء ان يظهر لي ملاك بصورة انسان. فقد تصرفت معي صباح و كأنها ملاك. كانت حنينة و رؤوفة. كانت تخرجني من السرداب خلسة و تقدم لي نصف حصتها من الطعام. شاء القدر ان قرر ابي (محمد تقي) ان احفظ القرآن في مدرسة الملاية بدرية مع صباح. كانت فترة الذهاب لمدرسة تحفيظ القرآن احلى فترات الطفولة. فكنت اجلس مع صباح نحفظ القرآن سوية. خلال فترة الاستراحة كنا نتناول الطعام. كانت زوجة ابي تعطيني يوميا قطعة رغيف وفيه حفنة من اسوأ التمور التي نقدمها  في البصرة عادة للبهائم . اما طعام صباح فكان دسما و متنوعا يسيل له اللعاب. هنا كانت صباح تشاركني طعامها شريطة الا ابوح بالسر لأحد. حافظت على السر منذ ذلك الوقت و حتى الآن. وصل حنان صباح انها كانت تقاسمني ايضا مصرف الجيب التي كانت تحصل عليه من امها. لربما ارادت السماء ان تخفف ذنوب زوجة أبي بحنان و انسانية ابنتها صباح فلله في خلقته شئون.

        تعلمت من القرآن اللغة العربية و ان اصبر على الشدائد و ابتعد عن التطرف الذي وصل الى درجة انني بدأت اكره ابي و ما فعله بي و بأمي (فاطمة) و شقيقاتي الثلاثة. تعلمت الوسطية و ان المرء لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه و ان الله يمهل ولا يهمل. وكنت طفلا في الرابعة و نيف من العمر. في كل ذلك يعود الفضل لأختي صباح التي انتزعتني من واقع مرير و رفعتني لدرجات روحية عليا لم اكن احلم  الوصول اليها. جعلني ذلك احب اطفالي عندما كبرت و تزوجت و انجت ثلاثة اولاد و بنت. بل انني اصبحت  بفض حبها لي اعشق كافة الاطفال و كل شخص حنون لاسيما النساء.

وما كنت ممن يدخل العشق قلبه .........و لكن من يبصر جفنك يعشق

        نعم انها صباح بجمالها و ذكائها و عطفها و رقتها و نضوجها و سموها الروحي وعلى اسمها اسمي هذه المذكرات " فيض الرحمة" فصباح هي فيض الرحمة ولا يرتقى احد لمستواها.

   عاهدتها ان احبها و ان احب سواها فحبها فيض يحدّث علاها.